ياسر عفات يصافح رئيس وزراء اسرائيل اسحاق رابين بعد توقيع اتفاق اوسلو في واشنطن في 13/9/1993
اتفاق أوسلو
في الثامن من حزيران/يونيو1992 وأمام عدسات الكاميرات وأعين الصحافيين، استقبل عرفات في عمان أعضاء الوفد الفلسطيني لـمباحثات واشنطن مسجلا بذلك نصرا عظيما.
لـم يتأخر الرد الأميركي،وأعلن الناطق بلسان الخارجية في اليوم التالي أن : منظمة التحرير ليست جزءاً من عملية السلام التي بدأناها. وإننا نشعربالقلق من اللقاء الذي جرى بين ياسرعرفات والوفد الفلسطيني، وقد اطلعنا الجانب الفلسطينيى على ما نشعر به. شجبت إسرائيل بدورها ما اعتبرته محاولة استفزاز، وأعلن رئيس الوزراء الجديد اسحق رابين أن: هذا اللقاء يتناقض مع الالتزامات التي قطعها الفلسطينيون ومع الاتفاقيات التي عقدت مع عرّابي عملية السلام.و سوف تتخذ الإجراءات القضائية اللازمة بحق الذين التقوا عرفات .
أما عرفات فقال وهو يبتسم : بلقائنا، نحن لـم نفعل سوى أن وضعنا النقاط على الحروف!
راوحت مفاوضات واشنطن في مكانها، بينما تواصل الاستيطان الإسرائيلي على قدم وساق. ما الذي كانت تعنيه عملية السلام بالنسبة لإسرائيل؟ كان الوفد الإسرائيلي يقوده الـمتصلب إلياكيم روبنشتاين، وهو سكرتير سابق لشامير، الذي لـم يكن يعتزم التنازل عن شيء. في الجولة الرابعة لـمحادثات واشنطن، هدد رئيس الوفد الفسطين حيدر عبد الشافي بقطع الـمفاوضات إن لـم يصدر قرار بتجميد الاستيطان في الأراضي الـمحتلة، وهو ما يرفضه الإسرائيليون قطعا. وبرغم ضغوطات عرفات، الحريص على مواصلة الـمباحثات، أعلن عبد الشافي انسحابه أثناء الجلسة السابعة، في تشرين الأول/أكتوبر 1992، غير أن ضغوط عرفات والـمظاهرات التي تجمعت أمام بيته حملته على التراجع عن قراره والعودة إلى قاعة الـمؤتمرات.
وفي أواخر تشرين الثاني/نوفمبر 1992 زار الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران إسرائيل وقال أمام قادتها وفي مؤتمر صحافي :منظمة التحرير الفلسطينية هي الـمحاور الوحيد الـممكن ،واستنادا إلى الاتصالات القليلة التي أجريتها مع فلسطينيين آخرين، خلصت إلى أنه لا توجد قوة حقيقية غير "م .ت .ف" تلوح في الأفق السياسي، حتى إشعار آخر. طالـما تتجاهل إسرائيل" م .ت .ف"، لن تكون هنالك مفاوضات مثمرة مع الفلسطينيين.. أظن أن ثمة دولة فلسطينية قد اعترفت بها الأمم الـمتحدة حين تأسست دولة إسرائيل. إحدى هاتين الدولتين تم انشاؤها بقوة وشجاعة، نعم الأمر. أما الدولة الأخرى فظلت معطلة. يبدو لي أن من الصعب أوّلا أن يعيش شعب بلا وطن، ثم أن يعيش شعب في وطنه بدون مؤسسات وهياكل خاصة به تؤدي طبيعيا إلى تشكيل دولة.
في تلك الأثناء، كانت تسود الجانبَ الفلسطيني حالة من السخط الـمتزايد بسبب ركود الـمفاوضات. فطالب قسم من الـمعارضة ومعهم أعضاء من "فتح"، بوضع حد لهذه الـمباحثات العقيمة. وما لبثت أن صدرت عريضة وقع عليها أكثر من ثلث أعضاء الـمجلس الوطني الفلسطيني تطالب بوقف الـمفاوضات إلى أن تتم الـموافقة على اشتراك "م ت ف فيها" رسميا، وإلى أن يتم تجميد الاستيطان الإسرائيلي. و بلغ الاحتقان حدا قرر معه الـمجلس الثوري لـ "فتح"، عشية الدورة التاسعة للـمباحثات (أواخر نيسان/أبريل 1993)، وقف العملية. ومرة أخرى، هدد عرفات بالاستقالة وفرض عليهم التراجع، كان يخشى أن يتمكن الأميركيون والإسرائيليون من الانفراد بالوفد الفلسطيني وعزله تدريجيا، ما يشكل تهديدا للشعب الفلسطيني ولـ" م ت ف". لهذا السبب ظل عرفات متوخيا أقصى درجات الحذر، ينتبه لأقل تفصيل من تفاصيل الـمحادثات، ويقارن بين الـمعلومات ويربطها ببعضها البعض،خاصة انه كان قد سمح لعدد من مساعديه بفتح قناة محادثات سرية مع ممثلين عن الحكومة الإسرائيلية ،وكان يتابع مساري التفاوض العلني في واشنطن والسري في العاصمة النرويجية أوسلو .
انتظر كل من عرفات وشريكه في القناة السرية للمفاوضات..رئيس وزراء إسرائيل اسحق رابين ، قبل دخولهما الشخصي في العملية ، ليتأكد كل منهما أن الآخر سيعطي موافقته على اقتراحات الـمفاوضين. وتأكد رابين من حقيقة لا تقبل التشكيك، وهي: استحالة الالتفاف على "م ت ف"، فهي التي تخوض الـمفاوضات السرية وهي التي تخوض الـمفاوضات العلنية، وهي وحدها، بقيادة عرفات، الضمانة لأية اتفاقية.
اقترحت إسرائيل في المفاوضات السرية تسليم" غزة أولا"..لكن عرفات أصرعلى "غزة ـ أريحا أولا" ليؤكد وحدة الأراضي الفلسطينية المحتلة..الضفة الغربية وقطاع غزة .
كان عرفات قد وجه من مقره بتونس، يوم 21 كانون الثاني/ديسمبر 1992، رسالة هاتفية إلى الإسرائيليين نقلها التلفزيون الإسرائيلي، دعا فيها رئيس الوزراء اسحق رابين إلى " لقاء الشجعان من أجل إقامة سلام الشجعان، الذي سوف تنظر إليه الأجيال القادمة على أنه الركيزة الأولى لبناء السلام "، مؤكدا أيضا "على ضرورة القيام بمبادرات من كلا الطرفين لإقامة سلام حقيقي وثابت على هذه الأرض التي تعرضت لكثير من العذابات. إن مثل هذا اللقاء من شأنه أن يسرّع من عملية السلام.."
كان عرفات يفكر في كيفية حمل رابين على القبول بهذا اللقاء. فعمل عرفات في اتجاهين: بتسريع محادثات السلام من جهة، ولكن بتصعيد الانتفاضة أيضا... وهكذا دعا عرفات الفلسطينيين في الأراضي الـمحتلة إلى تصعيد الـمقاومة، وإلى "حرق الأرض تحت أقدام الـمحتلين".
في ربيع 1993، قدّم عرفات عن طريق الوفد الفلسطيني في واشنطن سلسلة من الـمطالب: ضم ممثلين رسميين عن" م ت ف " إلى الوفد، عودة الاتصالات الـمباشرة مع الولايات الـمتحدة، اعتراف إسرائيل رسميا بمنظمة التحرير الفلسطينية. وأشاع أيضا أنه لن يسمح بأي تقدم في محادثات واشنطن إن لـم تعالج مسألة السيادة الفلسطينية بوضوح في الاتفاقيات الـمرحلية. بالتوازي مع ذلك، قدم اقتراحا عن طريق الـمستشار النمساوي فرانز فرانيتسكي ينص على أن يقوم الـمندوبون الفلسطينيون والإسرائيليون، بمساعدة الأميركيين، بإبرام اتفاقية مبادئ حول الحكم الذاتي في الأراضي الـمحتلة.
أخيرا، وجه في حزيران/يونيو رسالة سرية مهمة إلى رابين أكد فيها أنه هو الوحيد القادر على حمل الفلسطينيين على عقد اتفاقية مع إسرائيل. وما لبث الوفدان المتفاوضان في أوسلو بعد ذلك أن تبادلا سرا مسودة الاتفاقية.
ياسر عرفات يحمل جائزة نوبل للسلام في اوسلو 10/12/1994
في 20 آب/أغسطس1993، أبرمت اتفاقية أوسلو في جو من الغبطة، وعقب عرفات من تونس قائلا:"أشعر أن الدولة الفلسطينية ليست بعيدة..يجب أن ننظر إلى الـمستقبل بعين الأمل".
في أواخر الشهر نفسه ، أرسل الرئيس عرفات الوفد الفلسطيني إلى واشنطن، حيث افتتحت الجلسة الحادية عشرة للـمحادثات للتفاوض حول خيار " غزة ـ أريحا أولا "، وفقا للاتفاقيات.
وأطلع عرفات أعضاءَ اللجنة التنفيذية للمنظمة على مشروع إعلان مبادئ ينص على إقامة سلطة وطنية فلسطينية في الأراضي الـمحتلة خلال الفترة الإنتقالية، على أساس حق الشعب الفلسطيني في السيطرة على أرضه، وعلى موارده، وعلى مقدّراته الوطنية .
وفي 13أيلول/سبتمبر1993وقعت منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل في البيت الأبيض بواشنطن" اتفاق أوسلو"بحضور الزعيم الفلسطيني.
وهاهوعرفات يعودإلى الولايات المتحدة لاول مرة منذ وقفته الشهيرة في الامم المتحدة في نيويورك قبل 19 سنة ،لكنه الآن ببزته العسكرية في البيت الابيض يصافح اسحق رابين رئيس وزراء العدو" ليصنع معه سلام الشجعان."
رأى عرفات في الحدث اعترافا بالشعب الفلسطيني وبحقوقه من الذين حاولوا شطبه من الوجود ..وهذا الاعتراف يتم برعاية بيل كلينتون رئيس الولايات المتحدة الأميركية ..القوة العظمى في العالم ،انها خطوة تمهيدية لاقامة دولة فلسطينية مستقلة تمارس سيادتهاعلى الضفة الغربية ( بما فيها القدس الشرقية) وقطاع غزة .أما رابين فرأى فيه بداية تسوية لنزاع طويل وعسيرمع الفلسطينيين.كان عرفات مدركا تماما للثغرات في اتفاقية اوسلو ، لكنه كما قال"ما حصلنا عليه هو أقصى ما استطعنا الحصول عليه،وأقصى ما استطاعوا تقديمه لنا،وخلال أشهرستعود قيادة الشعب الفلسطيني إلى الوطن،وسيخفق العلم الفلسطيني على الارض الفلسطينية ..وسيكون لنا جواز سفر..لننظر إلى المستقبل" .
وها هو عرفات ..قائد الشعب الفلسطيني ورمز قضيته يدخل إلى البيت الأبيض من أوسع أبوابه، ويدخل أيضا إلى وسائل الإعلام الأميركية التي استغلها ببراعة. دعته كل الـمنابر التلفزيونية ليتحدث عن عملية السلام، وحتى عن أرئيل شارون، فحاز على اعجاب محاوريه وزادت شعبيته.
لقي الاتفاق معارضة وانتقادات من البعض في الساحة الفلسطينية لكنه لقي ترحيبا شعبييا واسعا في الضفة الغربية وقطاع عزة ،حتى بين اللاجئين في المخيمات داخل الوطن وفي الشتات لقي الإتفاق ترحيبا وأثار آمالا بإمكانية تغيير الواقع وبمستقبل أفضل.
وفي 12تشرين الأول/أكتوبر1993صادق المجلس المركزي الفلسطيني على الإتفاقيةبـ63صوتاومعارضة8وامتناع 9،كما صادق على تشكيل أول سلطة وطنية فلسطينية في التاريخ وهي التي ستتولى إدارة الأراضي المحتلة إلى أن تجري الانتخابات