أجرت صحيفة 'الجزائر نيوز' مقابلة صحفية مع القيادي في حركة فتح محمد دحلان وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني، تحدث فيها عن كثير ما يعترض الشعب الفلسطيني واتفاق المصالحة والاشكال الذي تعرض وعودته الى القطاع ،وهذا نص الحوار:
كيف تنظر إلى رد الفعل الأمريكي الفاتر و الإسرائيلي الغاضب على اتفاق المصالحة بين فنح وحماس؟ وهل فعلا جاء الاتفاق مفاجئا لهم؟
ربما يكون الاتفاق قد فاجأ الكثيرين بتوقيته غير المعلن، ولكنه كان نتاجا طبيعيا لجهود تمارس منذ سنوات عديدة ووساطات متعددة منها فلسطينية ( بالتحديد المستقلين ) وعربية بالأخص مصرية وأيضاً دولية كالدور التركي الملحوظ. والكل يعلم أن المصالحة التي وقعت في الأيام الماضية استندت إلى نفس الوثيقة المصرية التي رعاها الجانب المصري بعد سلسلة طويلة من جلسات الحوار ووقعتها حركة فتح في 15 تشرين أول/ أوكتوبر 2009 بالرغم مما قيل عن الضغوط الأمريكية الحقيقية، ولم تقبل حماس توقيعها آنذاك وهذا معلوم للجميع بسبب التدخل الإيراني في الشأن الفلسطيني.
بالنسبة لرد الفعل الأمريكي، فأستطيع وصفه بالمعقول مقارنة بما اعتدنا عليه في المرحلة السابقة التي كانت تواجه جهود المصالحة برفض أعمى، ونعرف كم كانت الإدارة الأمريكية تحاول أن تفرض جملة من الاشتراطات التعجيزية في كثير من الأحيان، وما حدث الآن هو عبارة عن دعوة متأنية بانتظار الحكم على شكل وطبيعة الحكومة المقبلة ومدى إقرارها بالاتفاقات الموقعة ما بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي، وأعتقد أن الأمريكيين سيعترفوا في النهاية بالحكومة المستقبلية ولن يسمحوا لإسرائيل بوضع عراقيل جديدة.
بالنسبة للموقف الإسرائيلي فهو موقف أقل ما يوصف بالمرتبك والمصدوم، ويعبر عن غياب الرؤية السياسية في إسرائيل لتسوية حقيقية مع الشعب الفلسطيني، وكما تتابعون فقد ظهرت تصريحات متناقضة منها ما يدعو للتعامل مع الحكومة الفلسطينية المقبلة بل وأخرى تدعو للاعتراف الفوري بالدولة الفلسطينية قبل استحقاق الأمم المتحدة المنتظر في أيلول المقبل، وهذا يدل على هشاشة التحالف الإسرائيلي القائم وإمكانية انهياره.
**وما هي حدود الضغوط التي يمكنهما ممارستها لعرقلة تطبيقه؟
يراهن أعداء الوحدة والمصالحة على أن تنفيذ الاتفاق سيظهر خلافات شديدة وترجمات متناقضة ستهوي بالاتفاق إلى الفشل والصدام من جديد، وعلى رأس هؤلاء المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ورئيس الموساد الجديد الذين سيسعوا حتما لإثارة التناقضات والعمل على توسيعها بقدر الإمكان، وسيحاول نتنياهو، من جانبه، السعي لإقناع الكونغرس في خطابه المنتظر هذا الشهر وربما التأثير على الإدارة الأمريكية بعدم التعامل مع المصالحة الفلسطينية وإستحقاقاتها بل وفرض العقوبات السياسية والإقتصادية على السلطة الوطنية الفلسطينية كي تختار بحسب تعبيره العنجهي ما بين السلام والإرهاب أو ما بين إسرائيل والتصالح مع حماس.
ولكني أعتقد أن جهوده ستبوء بالفشل، وذلك لأن الحراك الفلسطيني على الحلبة الدولية والثورات الجماهيرية في العالم العربي المتعطشة للديمقراطية قد خلقت بالفعل مناخا جديدا وفرضت معادلة مصالح جديدة، إذن إسرائيل ستزداد تورطا في العزلة ما لم تقدم مبادرة جدية ومقبولة.
**ما هي قراءتك لتراجع حماس المفاجئ بالنسبة للبعض عن موقفها المتشدد من الورقة المصرية؟
لا يخفى على أحد أن حماس بتحالفها المعلن مع النظام الإيراني قد تضررت كثيرا، حيث أن إيران المدعية بدعم المقاومة ضد إسرائيل كشفت أكثر فأكثر عن وجهها الإستعماري والمعادي لدول الجوار العربي بدء بتدخلها السافر في إدارة شؤون العراق ولبنان وصولا لدعمها الحوثيين في اليمن والعديد من بؤر الفتنة والقلاقل الطائفية في الكويت والسعودية وأخيرا في البحرين دون أن ننسى إحتلالها لجزر إماراتية تعتبرها جزء من أراضيها.
أما النظام السوري، فمن الواضح أن تحالفه مع الإخوان المسلمون قد تساقط مع بدء إنتقاد القرضاوي وقناة الجزيرة للقمع الدموي خلال الأسابيع الخمسة الماضية، وبالتأكيد فإن مصالح حماس والنظام السوري بدأت تتنافر مع إزدياد الضغوط السورية تحت ذريعة جبهة الممانعة والتصدي على كافة الفصائل الفلسطينية التي تدور في الفلك السوري من أجل تعزيز شرعية النظام.
من جهة أخرى، لا بد من الإشارة أن التقارب القطري المصري الأخير قد أبرز بدء التحول الجديد في السياسة القطرية منذ مباركتها إرسال قوات خليجية إلى البحرين والذي أدانته إيران ووصولا للفتور السوري القطري الناجم عن دور قناة الجزيرة التحريضي ضد النظام السوري في الإحتجاجات الشعبية مؤخراً، من كل ذلك نستخلص أن شرخا كبيرا قد أصاب الحلف السوري القطري الإيراني وأن حماس قد فهمت أنها تحتاج للبحث عن حلفاء جدد وعن بوصلة جديدة في العمل السياسي، وهذا ما تؤكده تصريحات خالد مشعل الأخيرة بقبول دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وهذا تطابق مع مواقف منظمة التحرير وفتح .
البعض يقول أن إنهيار نظام حسني مبارك وتحول الإخوان المسلمون في مصر من جبهة محظورة إلى حزب مرخص هو الذي سهل توقيع حماس على الوثيقة المصرية، أنا بإعتقادي أن ذلك ليس إلا سبباً ثانوياً.
**ألا تخشى أن يضيع الاتفاق مجددا في التفاصيل الطارئة والحسابات لهذا الطرف أو ذاك؟
البداية دوما حذرة، والكل يترقب التطورات القريبة وأعتقد أن نجاح الأطراف في إختيار حكومة وحدة مقبولة وطنيا ودوليا سيكون مؤشر هام للنجاح،
لا شك أن التفاصيل تحتوي في طياتها على مخاوف حساسة ولكننا بحاجة لإفتراض حسن النوايا الآن، نحن بأمس الحاجة لأن تنجح الوحدة وأن نذهب من جديد للإستحقاق الديمقراطي من خلال صندوق الإقتراع، فلا شيء يعالج الإنقسام سوى العودة لحكم الجماهير فهي كلمة الفصل في حالة النزاع وهي مصدر الشرعية في حالة تعطيل المؤسسات، إن خلافنا مع حماس يجب أن يكون سياسي وليس وطني، إجتهادي وليس تكفيري، والأساس بكل ذلك أن ينصاع الجميع للمشروع الوطني الفلسطيني وأن يبقى القرار الوطني مستقلا خارج حسابات الأممية والتدخلات الإقليمية، وبهذا يصبح إختلافنا رحمة كما قال الرسول (ص).
نحن بحركة فتح ننتهج الديمقراطية منذ تأسيس الحركة وبمدة طويلة قبل تأسيس السلطة في أعقاب إتفاق أوسلو، أي أننا نكرس شرعيتنا النضالية في المجال الجماهيري والتنظيمي عبر صناديق الإقتراع، ومثاله الأخير المؤتمر الحركي السادس الذي انتخب فيها أبناء الحركة ممثليهم في اللجان القيادية بمنتهى الشفافية.
**يخشى الكثيرون أن الدماء الكثيرة التي سالت في غزة في الصراع ما بين فتح وحماس ستحصر الاتفاق في مجرد تسوية سياسية ذات طابع إجرائي لا تنزع الرواسب الاجتماعية والنفسية العديدة التي خلفتها تلك الأحداث، هل ترى من الضروري القيام بخطوات إضافية و ما هو نوعها ؟
بالرغم من تجاهل الوثيقة الموقعة للعديد من النقاط الحساسة والعميقة كملف ضحايا الإنقلاب العسكري المدبر في حزيران 2007، سنضع في حركة فتح مصلحة الوطن ووحدته وكرامته فوق كل إعتبار، حتى لو كان الثمن المستوجب دفعه أحيانا من أشخاصنا وحقوقنا الفردية ففتح لم تكن يوما قبيلة أوعشيرة بل هي نموذج حضاري لشراكة الدم ومسيرة ثورية حتى تحرير الوطن وإنسانه.
لا يمكننا في فتح أن ننسى بالمطلق مئات من خيرة شباب حركة فتح في قطاع غزة الذين سقطوا ما بين شهيد للواجب وجريح معظمهم معاقون للأبد إضافة إلى آلاف المعتقلين الذين شوهوا وعذبوا أحيانا حتى العقم.
سنحتاج حتما لوقت طويل لطي الصفحة السوداء في هذا الإنقلاب الدموي ومعالجة آثاره النفسية والإجتماعية.
لكننا مطالبون الآن بكظم الغيظ والعفو عند المقدرة لمن استطاع إليه سبيلا، هذه هي سمات الأقوياء، لقد علمتنا فتح أننا كثوار لا نعرف لغة الأحقاد والإنتقام ولو أننا في ذات الوقت لم ولن نتهاون في حقوقنا ولن نسكت عن معتدينا.
ينتظر أن يتوج اتفاق المصالحة بتنظيم انتخابات جديدة بعد عام من الآن، إلى أي حد تتوقع أن تتغير
** الخريطة السياسية في المجلس التشريعي الحالي، على الخصوص بالنسبة لحركتي فتح وحماس؟
الحقيقة أن فتح وحماس هم أهم أقطاب العمل السياسي الفلسطيني في المرحلة الحالية والمنظورة، إنني بصدق ضد المحاصصة وأتمنى أن تلعب الفصائل الأخرى دورها الطبيعي والضروري في المشهد السياسي لما يعزز مبدأ التعددية الديمقراطية ويغني النظام الفلسطيني بالآراء والإجتهادات الخلآقة.
أتوقع أن تعود فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية لتقود الأغلبية البرلمانية في المرحلة المقبلة، وأتوقع أن تنعكس تجربة حركة حماس في حكم قطاع غزة سلبا على نجاحها في تحقيق ما حققته في الإنتخابات الأخيرة، لقد بات واضحا لجماهير شعبنا بما فيها الغالبية الصامتة أو تلك المراهنة على شعارات التغيير والإصلاح أن حماس هي مجرد حزب سياسي يطمح للسلطة وما شعاراته الدينية والعسكرية إلا للاستهلاك الإعلامي لا أكثر.
**وهل تتوقع أنا فتح تجاوزت بالقدر الكافي مشاكلها لتتدارك نكسة 2006 ؟
إلى حد ما، نعم.
مما لا شك فيه أن إنعقاد المؤتمر الحركي السادس كان تحولا هاما في إعادة تصويب الوضع التنظيمي والجماهيري لحركتنا، ولكننا ما زلنا نشهد العديد من الظواهر التي تكرس إحتكار القرارات والسلطات، وما زالت فتح لا تتفاعل مع قواعدها بالحد المطلوب وما زالت الأطر القيادية دون المستوى في التفاعل مع تحديات المرحلة، ما زلنا في طور علاج الأخطاء المتراكمة منذ إتفاق أوسلو إن كان على المستوى الإستراتيجي أم التفاوضي...
نأمل أن تسارع المصالحة في توطيد أطر فتح وضخ الدافعية المنشودة من أجل الإستعداد للإستحقاقات المقبلة، كلي أمل بالقواعد الشابة بأن تأخذ حيزها الفاعل في صنع القرار.
**وما رأيك في قول الكثيرين أن الأزمة الماضية ستطيح بوضع الثنائية القطبية السابق لصالح خريطة سياسية فسيفسائية ؟
لا أتوقع بالمدة الزمنية المعطاة أن تتأثر هذه الثنائية ولو أنني أتمنى ذلك كما أجبت سالفا.
إن فتح قادرة أن تكسب في الشارع وفي السياسة من جديد إن أدركت أهمية التعاطي مع الاستحقاقات المقبلة، وإن قامت بالتقييم المناسب ولعبت دورها الطبيعي كالأخ الكبير لبقية التيارات المناضلة.
**يؤكد أكثر من مصدر فلسطيني أن الرئيس محمود عباس لن يترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، على فرض أن ذلك صحيح هل ترى لفتح القدرة على الاحتفاظ بالمنصب؟
هنالك مرشحون من فتح أو مقربون لها يستطيعون أن يشغلوا الشاغر الرئاسي، المهم أننا نتفق على تفعيل المؤسسات وتكريس التعددية ودولة القانون ووقف فوضى الميليشيات وإحتكام السلاح لقيادة واحدة وإنصياع الفصائل لبرنامج وطني وسياسي متفق عليه.
**وما رأيك فيمن يقول أن المرحلة في حاجة إلى شخصية مستقلة جامعة في منصب الرئيس؟
هذا من حق كل مواطن فلسطيني ولكن لا اعتقد أن الظروف ملائمة لترشيح شخصية مستقلة.
**يعلق الغزاويون آمالا عريضة على اتفاق المصالحة لإطلاق مشروع إعمار القطاع، هل ترى أن ذلك ممكن بشكل جاد وفعال؟
إن ذلك سيكون إحدى أولويات حكومة الوحدة الوطنية، والإعمار هي أكبر مكافأة لشعبنا في القطاع الصامد على كل تلك السنوات من الحصار الظالم والحكم القاهر.
**هل يمكن لأنصارك ومحبيك في فتح وخارجها أن يروك قريبا وسطهم في موقعك النضالي التقليدي في غزة؟
بالتأكيد، أنا لم أغب عنهم في الماضي وسأكون قريبا بينهم حاضرا وجاهزاً لنبني من جديد دولة الوعد الفلسطيني.
**كيف تنظر إلى آثار الحراك السياسي والشعبي الدائر حاليا في مصر وسوريا على العلاقات البينية الفلسطينية؟
ناضلنا طويلا من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وسنكون سعداء بأن تصل جميع الشعوب الشقيقة والصديقة لما تطمح به دون إراقة دماء وهي الأقدر على الإختيار والتقدير فيما يتعلق بشأنها ومصيرها.
من موقعي القيادي، لا أقبل أن تفسر تصريحاتي بالتدخل في شؤون الغير، كما أذكر أننا دفعنا ثمنا باهظا لتدخلات الغير في الماضي، وسنبقى نناضل من أجل إبقاء القرار الوطني الفلسطيني مستقلا.
**وهل يمكن أن يؤثر في المواقف الإسرائيلية والأمريكية والغربية من مشروع السلام ؟
لقد بدأ يؤثر حتما، والجميع يعرف أن القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع العربي الإسرائيلي وأنها في مقدمة مطالب الشعوب العربية فلا يمكن البقاء في حالة تجاهل وإهمال لهذا الجوهر.
**كيف تنظر شخصيا للمطالب بإعلان دولة فلسطينية من جانب واحد ؟ وعرض الاعتراف بها على الجمعية العامة للأمم المتحدة بتوفر عدد كاف من الدول المعترفة ؟
برأي، لقد تأخرنا بإعلان الدولة حيث كان يجب أن تعقب نهاية القترة الإنتقالية لإتفاق أوسلو أي في مثل هذه الأيام من العام 1999، وعلى العموم، فهذا سيكون إنتصاراً للشرعية الدولية ونقلا لملف الصراع إلى بعده القانوني الأصلي، حيث ستنتقل القضية الفلسطينية من قضية شعب رازح تحت الإحتلال إلى دولة عضو في الأمم المتحدة وتحتل أراضي دولة أخرى عضو فيها.
**كثرت في الأسابيع الأخيرة اتهامات موجهة إليك داخليا وخارجيا، بداية من التآمر على الرئيس وليس انتهاء بتهريب السلاح إلى ليبيا ، ما هي قراءتك لتوقيت وخلفية وأهداف ذلك ؟
أعتقد أن ردي سيكون من خلال الأطر التنظيمية لحركة فتح، وقد أرسلت بالفعل مذكرة احتجاج قدمت فيها تفنيدا مفصلا لهذه القضايا المفبركة ولنوايا الواقفين ورائها والتي لا تتعدى مستوى تصفية حسابات شخصية تافهة، وبانتظار رد اللجنة المركزية سأكتفي بالتأكيد على جاهزيتي لكشف جميع الحقائق أمام الجهات المعنية في اللحظة المناسبة